السويداء بين وهم الحماية الاسرائلية والخطيئة الداخلية
ما يجري في السويداء منذ أسابيع ليس مجرّد مواجهة عابرة ولا أحداثًا أمنية يمكن احتواؤها فقط ببعض المعالجات المتأخرة. ما نشهده هو أخطر اختبار تعيشه الطائفة الدرزية منذ عقود، بعدما استُدرجت محافظة جبل العرب إلى قلب مشروع أكبر منها، تُديره تل أبيب وتُنفذه أدوات محلية على أنقاض دماء الأبرياء.
المعادلة واضحة: إسرائيل أشعلت النار، ثم ظهرت في دور «الحامية». والنتيجة أن آلاف الدروز دفعوا الثمن، فقط ليجدوا أنفسهم في اليوم التالي أمام مشهدٍ سوريالي: أعلام إسرائيل تُرفَع داخل السويداء، وأحدهم على منبر يطلب منها "التدخل لحماية الجبل"! والحقيقة أن هذه ليست مجرد انفعالات أو أخطاء فردية، بل هي نتيجة لمسار طويل من الاستثمار الاسرائيلي الكامل في لحظة انكشاف درزي. ومع الأسف، بدلاً من أن يُستدرك الأمر بالحوار والتفاهم بين السويداء والادارة السورية الجديدة، أصرّ البعض على رفض كل الاتفاقات التي طُرحت لحماية السويداء وربطها بالدولة السورية، فقط لأن تل أبيب أوعزت بذلك وحرّضت على الذهاب إلى النهاية.
في المقابل، لا يمكن إعفاء دمشق من مسؤولياتها. ما حدث من تجاوزات مؤلمة وعمليات قتل وخطف وارتكابات قامت بها بعض المجموعات المحسوبة على الإدارة الجديدة، أمّن الأرض الخصبة لانفجار الغضب، وأسقط آخر قنوات الثقة بين الدولة والمجتمع المحلي. ومِن هنا بالضبط نجح المشروع الإسرائيلي.
وسط هذا المشهد، لا بد من العودة إلى وليد جنبلاط، فهو الذي يعي هذا المشروع منذ قبل حصوله، ويعرف تبعاته وأثمانه، وقد حاول استدراكه، وسعى مع الجميع في السويداء دون استثناء، ومع الدول المعنية ومع الادارة السورية، ليس فقط بوصفه زعيمًا درزياً، بل من موقعه المبادر دائماً بتفكير استراتيجي حافظ من خلاله على الدروز في لبنان وسوريا على حدّ سواء على مدى محطات تاريخية عديدة، وقف فيها بوجه مشاريع العزل والانفصال، ورفض نظرية «الأقليات»، وفضّل الخيار الوطني، مهما كلّف. واليوم، حين يُهاجَم ويُخوَّن ممن يرفعون العلم الإسرائيلي، فهي الشهادة بأنه لم يخطئ. لكن الواقع المؤسف حصل لأن المشروع الإسرائيلي كان أقوى، ولأن البعض قرر أن لا يسمع وأن لا يرى وأن لا يعي، فيما فلول النظام السوري البائد انتهزوا فرصة ما يحصل للانتقام، وتلاقوا جميعهم ضد موقف جنبلاط.
رغم كل ذلك، تبقى الحقيقة واحدة: لا نجاة لجبل العرب عبر مشروع الانفصال، ولا حماية حقيقة من وراء الحدود، ولا مستقبل لدروز سوريا خارج دولتهم وتاريخهم وجوارهم العربي.
ما يلزم اليوم قبل الغد هو قرار شجاع من دمشق بتصحيح الأخطاء، ومحاسبة المتورّطين في الانتهاكات، وتجديد الشراكة مع المجتمع في السويداء على أساس الثقة لا الإخضاع.
وما يلزم، في المقابل، هو أن تقول السويداء كلمتها بوضوح: إن الدماء التي سالت لن تكون مادة في مشروع نتنياهو، ولا يمكن لمعتنقي التوحيد أن يسلَّموا أمرهم إلى الوهم القاتل.
صالح حديفة - المدن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|